"مُسافر عبر الزمن".. يصحبكم في رحلة إلي "المنيا التي لا نعرفها"1-: ميدان "المحطة"

"مُسافر عبر الزمن".. يصحبكم في رحلة إلي "المنيا التي لا نعرفها"1-: ميدان "المحطة"

 

ميدان محطة المنيا

بعد أن كشفنا في حلقات سابقة عن أصل مسميات حي شاهين وأبوهلال وعلمنا حكايات أصحابهم الأوائل، تواصل "ويكي منيا" رحلتها في السفر عبر الزمن، من أجل أن يتعرف أبناء المنيا من الجيل الحالي على بدايات أشهر المناطق والمعالم في شوارع المدينة التي لا نعرفها.

وصل قطار رحلتنا لمحطة المنيا، في زمن السبعينيات، هبط منه نحو الرصيف، رجل مسن عظيم الشأن، من أبناء المنيا القدامى قادماً من قاهرة المعز لإسترجاع ذكرياته مع بلدته القديمة.

يتذكر المسن أن محطة المنيا القديمة قد بُنيت في موقعها الأول أمام مسجد "السلطان الحبشي" وتولى إنشائها الجيش المصري بعدما مد خط السكك الحديد إليها من محطة قطار بني مزار التي أُسست عام 1871، وتم مد خطوط السكك الحديدية حتى ملوي، وبعد فترة من الزمن إنتقلت محطة قطار المنيا لموضعها الحالي عام 1918، وتحول بقايا المبني القديم بالحبشي لمبني تابع لهندسة السكك الحديدية.

صورة "طابع بريد"لمحطة المنيا 

 

يدرك صاحبنا أنه على رصيف موضع المحطة الجديد، وأخيراً يتوقف قطار الفجر بعد ساعات من السفر، ليخرج من دفء التكييف ويستقبله البرد المنياوي الشهير، تتخطاه أيدي الشيالين، وتتجاوزه أعينهم متجهة صوب العائدين بأكوام "الشنط والكراتين"،أملاً في لقمة عيش تناسب إنتظارهم الطويل على رصيف المحطة المكشوف، وتكافئهم عن مبيتهم بعيداً عن منازلهم وأبنائهم المنتظرين عودتهم بإفطارٍ شهي من "الفول والطعمية".

 ينظر المسن بفزع نحو سلالم المحطة العالية، ويتساءل: كيف يمكنني الصعود برئتين متليفتين وقلب أنهكته الشرايين المهترئة وعضلة كادت أن تذوب وتتآكل؟ ، ويقرر الصعود مضطراً لدرجة أو درجتين ويتوقف بعدها ملتقطاً أنفاسه، ومسترجعاً ذكرياته مع مبني محطة القطار وصولاً للبوابة.

درج المحطة

 

يسترجع المسن المنياوي ذكرياته؛ "استرجع مبني محطة قطار المنيا القديم، وأترحم على فخامته وبهائه الضائعين .. درج السلم الرخامي .."درابزينات" الحديد المشغول والمزخرف بوجوه إيطالية إسطورية.. الغرف الواسعة شاهقة الإرتفاع.. مكتب حضرة الناظر الملوكي المزدحم باللوحات ..البوفيه الكلاسيكي الذي لا يمكنك أن ترى شبيهاً له سوى في أفلام "الأربعينات".

تذكر المسن أول يوم سافر فيه بعيداً عن قريته متجهاً لقاهرة المعز، مواصلاً وصفه لجمال محطة القطار كان ذلك تحديداً في نوفمبر 1977، ووقتها كان طالباً في الصف الثاني الثانوي، واستدعى ما سجلته ذاكرته في ذلك اليوم البعيد ..عساكر "الديش"، قرويون يحدقون بسذاجة –باعتبار ما كان في حولهم – تعلوهم دهشة أنستهم قريبهم الذي يودعونه قبل سفره للعلاج في مصر أو أسيوط، بقاماتهم الطويلة وصوتهم الجهوري الجبلي، تعلو رؤسهم العمائم السود والخضر.

وصل المسن إلي ميدان المحطة ليستفيق من ذكرياته بفعل تطاير قطرات المياه من النافورة "الساذجة" التي تتوسط ميدان متواضع الإتساع، علي يساره مبنى "المحكمة" القديمة المهيب وأسفله محلات عديدة تناسب المكان.. مقاهٍ ومطاعم وبقالة وحلاق، وفي الطرف البعيد رمقت عيناه ذاك المتجر الأثير القديم الذي كان يبيع السجائر ليجده مغلقاً، ليفتح صندوق الذكريات أبوابه مره أخرى متذكراً صاحب ذاك المتجر القريب لقلبه ، كان صاحب المتجر منبهراً مما أصاب المنيا بأواخر السبعينيات، يحدق بشده في البشر الذين تضاعفوا والسيارات التي إزدادت بشكل ملحوظ.

"لم يكن يبيع سوى السجائر والولاعات والسيجار والغليون بقايا عصر الخواجات والباشوات والبهوات الجميل ، تعرفت عليه في أواخر أيامه، عندما عرفت التدخين وأصبحت زبوناً مهماً لديه".. لم يكن الرجل يبحث عن المال بل يبحث عمن ينصت إليه، وهو يحدثه عن أيام شبابه في المنيا قبل نصف قرن وأكثر –أي عشرينيات وثلاثينيات القرن الغائب، لم أكن وقتها عرفت الطريق إلي "السجائر" فحسب بل كنت مقبلاً على عالم الإستماع لحكايات الزمن الجميل والذي لن يعود"...

 

فندق سافواي قديماً

نظر المسن صوب الميدان ليجد فندق "سافوي" العريق، والذي كان واحداً من أربعة فنادق جيدة وقتها يمكنك الإقامه فيها عندما تزور المنيا (سافوي – نفرتيتي – بالاس – إبن الخصيب) كانت هذه الفنادق التي خرجت من إطار "لوكاندات النوم" التقليدية التي عرفتها المدينة، منذ بدء تكوين الجاليات والقنصليات الأجنبية بالمنيا في نهايات حكم الخديوي اسماعيل وبدايات حكم الخديوي توفيق، عندما امتدت المدينة خارج حيزها العمراني القديم، ليظهر في الوجود "شارع التجارة وميدان البوسته".

 

ولكن قبل التحدث عن شارع التجاره وميدان البوسته والفنادق ، وقبل أن نسترجع بقية ذكريات المنيا التي لا نعرفها، يجب أن يشير لهوية هذا المسن ..إنه المؤرخ البارع الراحل إبن المنيا الاستاذ موفق بيومي رحمه الله.. والذي كتب لي هذه السلسلة بخط يده قبل وفاته بسنوات قليلة.

                                                          ....يتبع

 لمعرفة حكاية حي أبو هلال 

"أبوهلال"..حكاية صاحب الفدادين الذي خلد إسمه على أشهر مناطق المنيا الشعبية

لمعرفة حكاية "حي شاهين"

تعرف على حكاية "المهندس" الذي اُطلق على إسمه حي شاهين بالمنيا