"مُسافر عبر الزمن"..يصحبكم في رحلة إلي "المنيا التي لا نعرفها" 2- : فندق ومقهى "سافوي"
تستكمل "ويكي منيا" رحلتها بصحبة ذاك المسن الجليل الذي جاء من
"قاهرة المعز" ليسترجع ذكريات تاريخ المنيا، بلدته الحبيبة إلي قلبه كما
كان يقول دوماً، فبعد أن هبط من القطار على رصيف محطة المنيا مسترجعاً ذكرياته مع
الميدان وبناء المحطة الحديث والموقع القديم "شاهد الحلقة"، توقفنا في
الحديث عند فندق سافوي أو سافواي كما يطلقها أهالي المدينة.
يقع هذا المبنى التاريخي بشارع سعد زغلول بقلب مدينة المنيا، ويمتلك الفندق موقعاً مميزاً ، إذ يشرف بواجهته الرئيسية على ميدان (محطة سكك حديد المنيا ) والواجهة الأخرى تطل على شارع الجمهورية، ولعل هذا الموقع قد أضفى على المنشأة أهمية كبرى نظرًا لوقوعه أمام محطة سكه حديد المحافظة الرئيسية، فجعله محط أنظار الزوار من المسافرين .
وكلمة "
سافوي" علي الأرجح غير عربيه ،وأصل
الكلمة مشتق من اللغات الأوروبية وهو أسم
مدينة قديمة، وقد أطلق هذا الاسم على العديد من الأماكن بداخل مصر وخارجها من
فنادق ومنتجعات ومولات ومحال تجاريه بأوروبا وأمريكا.
تجول المسن بين أروقة الفندق، ليسترجع ذكرياته الخاصة جداً مع فندق "سافواي" وموقعه.
واجهتا فندق سافوي بالمنيا قديماً |
قام أحد المعماريين الإيطاليين بتشييد فندق "سافوي" قبل قرابة
95عام من الآن،وتولى إدارته لفترة من الزمن قبل أن ينقل ملكيته هو ومقهاه إلي
عائلة منياوية حافظت عليه أكثر من نصف قرن حتى باعته منذ 25عام.
هذا الفندق الذي كان أسطورة معمارية وقت تشييده تعاقب على زيارته والإقامة فيه العديد من الشخصيات البارزه والهامة في تاريخ مصر الحديث، بخلاف عشرات الآلاف من السائحين العرب والأجانب.
تحمل " لوكاندة سافوي" تاريخ عريق وقيمه أثريه عاليه، بالرغم من عدم تسجيله أثريًا، فهو شاهدًا على العصر بتدوين توقيعات زائريه، خاصة الذين يحملون الصفة الدبلوماسية سواء رئيس كان أو نائب .
صورة القبض علي عدلي لملوم بصحيفة انجليزية |
ويسترجع رفيق رحلتنا الزمن عند سبتمبر 1952-أي بعد نجاح ثورة يوليو بشهرين
فقط- حينما اصطف عشرات من الصحفيين والمصورين من مختلف بلدان العالم، لتسجيل لحظة
إقامة "خديجة لملوم" بفندق سافوي لتشهد محاكمة إبنها "عدلي
لملوم" الذي هاجم ثورة يوليو بالسلاح معترضاً على حركة "الجيش" كما
كان يسميها، حيث كانت ثروته من الأراضي تقدر بحوالي 14ألف فدان، رفض تسليمها
للثورة وقام بمهاجمة مركز شرطة مغاغة وتعطيل الحياة بالمركز، وحكم عليه بالسجن.
كان الفندق قريباً من مبني محكمة المنيا القديم، ولذلك كانت تتخذه خديجه لملوم "الكبيرة" مقراً للاستراحة وقت جلسات محاكمة ابنها عدلي.
كما أن من أعظم الأحداث السياسية للمكان أن إتخذه الخديو إسماعيل إستراحه له تحت دعوى توسعة ميدان محطة سكك حديد المنيا.
النقراشي باشا |
إستضاف "سافوي" عدداً من الرؤساء والوزراء والدبلوماسيين، أبرزهم محمود غانم نائب "تاج الدولة "، الذي نزل بالفندق بصحبة النقراشي باشا رئيس وزراء مصر في ديسمبر 1929، و أثني نائب تاج الدولة بدوره أيضا علي حسن ضيافة الفندق حيث كتب في دفتر زياراته (زرت فندق "سافواي" فرأيت فيه نظاما محكما، وإدارة حكيمة وأول أثر تركه في نفسي أن يعتبر مثالا جسنا لكفاءة المصريين، في إنشاء الفنادق وإدارتها وأتمنى المثابرة على الاحتفاظ بمركز هذا الفندق العظيم).
وبدورة أشاد محمود فهمي باشا النقراشي رئيس الوزراء بفندق سافوي برسالة لا زالت تحتفظ بها إدارة الفندق، جاء فيها (زرت هذا الفندق ،فسررت من نظافته وتوافر أسباب الراحة فيه لجميع النزلاء ، ومما لفت نظري بوجه خاص ما لاحظته من دقة إدارة الفندق في ملاحظة النظافة والإلتفات لكل ما يؤدي إلي الراحة والعناية بالضيوف حتي لا يمس المسافر بأقل عناء).
وأضاف رئيس وزراء الحكومة الوفدية في
رسالته الموقعة بتاريخ 13ديسمبر عام 1929
لإدارة الفندق " نرجو من صميم فؤادنا أن يستمر هذا الفندق في هذا الطريق
القويم ، وأن يسدد خطى أصحابه فهم جديرون بكل تشجيع".
رسالتا محمود غنام تاج الدولة والنقراشي باشا لفندق سافواي بالمنيا |
وإستكمل فندق
سافواي دوره البارز في الترحيب بضيوف محافظة المنيا من الدبلوماسيين والشخصيات
البارزة أمثال مفتش وزير المعارف والمراقب
المساعد للتعليم الثانوي كما كان في
إستضافة محمد باشا رفعت الروزمانجى، وأحمد باشا كامل في سنه 1932
وكان فندق
سافوي يحتوي على هاتف برقم (270).
رسالة مفتش وزارة المعارف لفندق سافوي |
وفي إحدي
زيارات الرئيس جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر للمحافظة، ذُكر أنهما رفضا
هدم الفندق ، و إستبداله بأي منشآت أخرى.
كما تشرف فندق
"سافوي" بإقامة الرئيس الراحل أنور السادات، وكشف هذه الزيارة التاريخية
خطاب شكر موجه من مديرية أمن المنيا لإدارة الفندق، حيث أرسل اللواء "فاروق
عبد الوهاب" مدير أمن المنيا الأسبق خطاب شكر لإدارة فندق "سافوي"
بتاريخ 10ديسمبر عام 1987، يشكرهم على حسن ما قدموه من عون للقيادات الأمنية أثناء
زيارة الرئيس السادات.
خطاب شكر من مدير امن المنيا للفندق |
وكتب مدير أمن
المنيا الأسبق (يسرني وأفراد هيئة الشرطة بتقديم خالص شكرنا وتقديرنا، لما قدمتموه
من عون أثناء تشريف السيد رئيس الجمهورية ، مما كان له الأُثر الطيب والإسهام
بنجاح الزيارة، متمنين لكم دوام التوفيق).
مقهى سافوي قبل غلقه |
وإذا إنتقلنا
للحديث عن مقهى "سافواي" الذي تحزن حينما تراه مغلقاً الآن، فهو مغلق
منذ عامين تقريباً بعد أن أخذ مكانه أحد المطاعم الشهيرة، مودعاً بريق الفندق
لمثواه الأخير.
توقف صاحبنا المسن برهه أمام مشهد غلق مقهى "سافوي"، ليتذكر بهاء المقهى وجمال منظرة الأول حيث كان منذ بنائه، أسفل الفندق كان مقهى "سافوي" الجميل البهيج.. أسترجعه كما كان بحديقته الكبيرة، والتي إنفصلت عنه فيما بعد لتتحول لـ"كافيتريا" ظلت لسنوات ملتقى للعشاق و"الحالمين"، المبنى بأكمله إشتراه تجار عقارات على أمل هدمه وتحويله إلي ابراج، كما فعلوا مع تلك المساحة الهائلة من الميدان التي كانت دوراً واحداً مزدحماً بالمقاهي والمطاعم وصيدالية كبيرة ومعرضاً عتيقاً سابقاً لعصرة كان يبيع الأجهزة الكهربائية منذ خمسينيات القرن الماضي،وبعد أن فشل التجار في هدم الفندق والمقهى إكتفى فقط ببناء الحديقة وباع العقار بالكامل.
أما "المقهى الكلاسيكي" فيعود صاحبنا بالذاكرة ليقول : أن المقهى
الكلاسيكي تم "سخطه" إلي عدة نشاطات "تيك أواي" أحدها كوفي
شوب لا يرقى لأيام المقهى في عظمته ومجده، "الترابيزات الحديدية" التي
تعلوها "أقراص الرخام"، تحولت إلي منضدات وكراسي من البلاستيك، مزدحمة
دوماً بالمسافرين والطلاب والصنايعيه والمتابعين لبرامج التليفزيون ومباريات الكرة
المشفرة، وذلك قبل أن يقضى على المكان تماماً ليبقى الفندق شاهداً على الحزن، ويحل محله أحد محلات "الكشري" الشهيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكرا على دعمكم المستمر