حكايات «حسن الشرق».. الحكاية الأولى: قلم «الكوبيا» وعامل مصنع الغزل - ويكي منيا

ويكي منيا

مدونة أرشيفية خاصة بتقديم المواد الوثائقية الصحفية لكل شئ عن محافظة المنيا، شخصيات عامة ، أماكن ، تاريخ العائلات ، وغيره من المواد الوثائقية التي قد تهم القراء من محبي التاريخ والتوثيق خاصة من أبناء محافظة المنيا

اخر الأخبار

اخر الاخبار

اعلان

اعلان

احصل على القالب من عالم المدون

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2022

حكايات «حسن الشرق».. الحكاية الأولى: قلم «الكوبيا» وعامل مصنع الغزل

حكايات «حسن الشرق».. الحكاية الأولى: قلم «الكوبيا» وعامل مصنع الغزل




تربى بين الأموات ليكتب شهادة ميلاد فنه، لم تمنعه البيئة الفقيرة ولا تقاليد عائلته عن معايشة حلمه،فطوع الطبيعة لخدمة موهبته،وتمرد على التقاليد والأعراف، ليبزغ نجما في سماء الفن التشكيلي العالمي، كفنان شعبي فطري استمد مدرسته من بيئته الشرقية المصرية حتى أطلقوا عليه لقب «الشرق» لدوره العالمي في إبراز الهوية المصرية بالمعارض العالمية، جعل العالم ينبهر بلوحاته الطبيعية.

فى الثامن والعشرين من مايو عام ١٩٤٩، استقبلت عائلة عبد الرحمن محمد، قصاب قرية زاوية سلطان القبلية التابعة لمركز المنيا، مولوده الأول وسط بهجة عائلية كبيرة، وتفاؤلا بحسن طالعه أسماه حسن.

نشأ الطفل حسن وسط بيئة فقيرة في حضن الجبل تحاط بها المقابر من كل إتجاه، أطلق عليها زاوية الأموات نسبة إلى مدافن المسلمين وبعض أضرحة الأولياء والصالحين المتواجدة هناك أمثال ضريح الامام والعالم الجليل( القرطبي ) وضريح الشيخ سليمان بن خالد بن الوليد، وأيضاً ترقد بإحدى المقابر المناضلة هدى شعراوي . 



تمثل هذه الزاوية حالة إبداع متكامل، فهي منطقة يلتقى فيها الأحياء والأموات، لا يفصل بينهما سوى شارع ضيق كالسرداب، فتجد على يمينك بيوتاً يسكنها الأحياء والدجاج والحمام . وعلى يسارك القباب التى يرقد تحتها الأموات ،هذه الحالة الابداعية هى التى افرزت لنا موهبة الفنان ( حسن الشرق ) .

على إحدى نواصي الزاوية يقع حانوتا صغيراً، كان ملكا لعبد الرحمن بالوراثة،وكان منفذاً للتموين والبقالة بالقرية.

رغب الأب أن يعاونه نجله في مهنة الجزارة،وبالفعل عمل حسن الشرق في مهمة تعبئة وتغليف اللحوم،كان يهرب من مشاهد الذبح لكرهه للدماء.

أنهى الصغير تعليمه بعد المرحلة الابتدائية،واتجه لمعاونة والده.

"الولد الرسيم"



ويتحدث الفنان فتحي إدريس أحد رواد حركة الفن التشكيلي بالمنيا، عن طفولة إبن زاوية سلطان قائلا: ( كان حسن فى طفولته يحب الحكاوى  ومغرما الأساطير، فكان الراديو  ( الترانزستور ) لا يفارقه ابدا .. ويستمع إلى ملاحم زكريا الحجاوى وحكاية حسن ونعيمة وليالى ألف ليلة وليلة)  . 

ويواصل حديثه عن طفولة حسن الشرق قائلا: كان ( الولد الرسيم ) فى مدرسته الابتدائية يلتف حوله الصبية من أقرانه فى الفسحة ليشاهدوه وهو يرسم لهم العروسة والدرويش بالطباشير، ثم بدأ إحساسه الفطري بالفن فكان يرسم كل ما تصل إليه عيناه.  

وكان قد أكد الفنان حسن الشرق في لقاءات مصورة أن أول من تنبأ بموهبته،كان مدرس مادة العلوم خلال المرحلة الابتدائية.

" صبي غزل بمصنع المنيا"



يصر الفنان حسن الشرق في جميع لقاءاته وأحاديثه حول بداياته الفنية أن جميع أعماله ظلت حبيسة ولم تخرج للنور،سوى عن طريق كشافة ألمانية،دونما أي معاونة مصرية تذكر طيلة ما يقرب من ١٥ عام،سوى مشاركات طفيفة جداً داخل معارض قصر ثقافة المنيا.

إلا أن هناك ثمة أقاويل قد أثيرت حول تلك الفترة، وكيف جاءت مشاركات الشرق الأولى بمعارض قصر ثقافة المنيا؟، وما سبب ندرتها للحد الذي لم يذكره فناننا في مسيرته؟.

بحسب ما جاء في كتاب" فنانون من المنيا" الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافه للفنان فتحي إدريس رائد حركة الفن التشكيلي بالمنيا عام ٢٠١٤،  فقد أشار لمحاولاته تقديم موهبة حسن الشرق الفطرية، وذلك في منتصف الستينيات.

عمل الفنان فتحي إدريس في شبابه مشرفا على أحد خطوط الإنتاج بمصنع الغزل والنسيج بالمنيا، وطبقاً لروايته فقد   إلتحق الصبي حسن عبد الرحمن بالعمل في مصانع غزل المنيا بوظيفة ( صبى غزل )  حيث كان عمره لايتجاوز 17 عاما، وأثناء مروره لمتابعة العمل والعمال والإنتاج شاهد بالصدفة أحد العمال يرسم بالقلم  ( الكوبيا ) على إحدى الماكينات، ولأن هذا العمل من وجهة النظر الوظيفية يعتبر إتلافا للماكينة، قام  المشرف إدريس بالتنبيه على الصبي حسن بضرورة القيام بنظافة الماكينة مع عدم تكرار الواقعة مستقبلا.

وذكر الفنان فتحي إدريس القيمة الفنية الكبرى لعامل المصنع قائلا: (ولكن أثناء حديثي معه لم تفارق عيناى رسوماته بالقلم الكوبيا، وجدت نفسي أمام  فنان فطرى بسيط فى تعبيراته  ومظهره وكلامه أيضا .. وكان هذا العامل هو الفنان حسن عبد الرحمن محمد ويحمل ملف خدمته رقم " 537 صبية ")  .

وتابع : وفى نهاية الوردية استدعيت العامل ( الفنان  ) وحكى لى قصته مع هذه الهواية الساحرة  منذ أن كان تلميذا بالابتدائية، وحكايات  كثيرة عن قسوة الحياة فى هذه القرية الفقيرة  التى يعيش أهلها على الصيد في نهر النيل أو زراعة  الشريط الضيق  من طرح النهر أو بناء المدافن أو دفن الموتى  وكلها أعمال لا توفر الحد الأدنى للمعيشة  .

"محاولات إخراج الموهبة للنور"



بدأ إدريس يتحدث مع الفنان الشاب محاولا اقناعه باحتراف الرسم وإخراج موهبته للنور، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل قام بإبلاغ أصدقائه الفنانين عن تلك الموهبه الريفية، ووفقا لما جاء في كتاب فنانون من المنيا يقول إدريس: (أبلغت صديقى الفنان محمد نادى الذى كان يشرف على مرسم قصر ثقافة المنيا عن هذه ( الصدفة ) التى اكتشفت بسببها  هذه الموهبة الفطرية وقناعتى بأن هذا الفنان البسيط سيصبح  ( هنرى روسو ) المصرى إذا توافرت له عوامل الرعاية والاهتمام، واتفقنا _ انا والفنان محمد نادى  _ على ضرورة التحاق هذا الفنان الموهوب  بالمرسم والذى كان يضم وقتها عددا من المبدعين الرواد أمثال الفنان أسامه النزهى والفنان سامح الميرغني والفنان جمال بشرى والفنان صالح الشريف والفنان محمد جاد الكريم والفنان رشدى يوسف والفنان حسن مازن والفنان رأفت عبد السلام، حيث اتفقنا على تدعيم هذه الموهبة الشابة والاهتمام به والمحافظة على فطريته،  والعمل على عدم تأثره بالمدارس الفنية المختلفة  التى ينتهجها اعضاء المرسم فى هذا الوقت . 

                                   "رفض قاطع"






"حاولت كثيرا مع هذا الفنان الواعد  للحصول على موافقته للالتحاق بمرسم قصر ثقافة المنيا، لكن حسن كان دائم الرفض"، بهذه الجمله أكد إدريس رفض حسن لمحاولاته المتكررة بانضمامه للمرسم أو الدخول في معارض قصر الثقافة، كاشفاً أن رفضه كان بسبب ظروفه العائلية ومشقة  الذهاب والعودة بالقوارب النيلية  والأجر الزهيد الذى يتقاضاه من عمله في مصنع الغزل  والذى لا يكفى الا لضرورة الحياة فقط .

ومع استمرار المحاولات والرفض، لجأ إدريس لحل مرضي كي يفز بهذه الموهبة الفزه، فطلب من الشاب حسن عبد الرحمن بأن يرسم فى بيته ويعرض عليه أعماله فى فترة الراحة فى الوردية، فقد كان الصبي حسن يفضل مساعدة أهله بالعمل في المصنع ،واستمرت هذا الحال قرابة ستة اشهر ،كان يلح فيها عليه خلال هذه الفترة بضرورة الالتحاق بالمرسم إلى أن وافق، وكان ذلك فى فبراير 1969 وكنا _ جماعة المرسم  _ نستعد لإقامة معرضاً بمناسبة العيد القومى لمحافظة المنيا.


" أولى مشاركاته الفنية"



قدم ادريس الموهبة الشابة  فى مارس 1969 إلى الفنان محمد نادى  مشرف مرسم قصر ثقافة المنيا،وكذلك لمحمد حسن الشريف مدير القصر،  وشاهد الجميع اعمال حسن ولوحاته البديعة، حتى جاءت أول مشاركاته بمعرض سبتمبر  1969، وتم تخصيص ركنا للوحاته، ووقتها نصحه محمد حسن الشريف مدير القصر بألا يتخلى عن جلبابه البلدى لان هذا الزى هو جزء من  هويته.  

"صدفه قادته للعالمية"

وفى إحدى زيارات الفنان صبرى منصور للمنيا شاهد أعمال الفنان حسن عبد الرحمن  وشدت انتباهه، وأوصى  السيدة الألمانية (اورسولا شيرينج) والمهتمه بإبراز مواهب الفنانين الفطريين فى منطقة شمال إفريقيا  بالاهتمام بموهبة حسن عبد الرحمن.

" اورسولا وعقد الاحتكار" 



وخلال إحدى زيارات اورسولا لمصر والتي كانت لرؤية المواهب الشابة،تم توقيع عقد احتكار فني بينها وبين الفنان حسن عبد الرحمن  بمقتضاه  تقوم أورسولا بإقامة المعارض التسويقية للوحاته  داخل مصر وخارجها مقابل حصولها على نسبة من قيمة المبيعات تم الاتفاق عليها فى العقد، وبذلك دخل( الشاطر حسن ) إلى دائرة النجومية وتخطت شهرته حدود مصر وتسابق المصريون والاجانب  لإقتناء اعماله .

"كتاب ألماني للوحات الشرق"



وفى عام 1994 أصدرت اورسولا كتيبا بعنوان ( من الريف المصرى .. حسن الشرق ) .. ضم 12 لوحة للفنان حسن الشرق من الريف المصرى وأمام كل لوحة تعليق من الكاتبة مارى تريز عبد المسيح المدرس بقسم اللغة الانجليزية بآداب القاهرة والمتخصصة فى الأدب المقارن والفن التشكيلى . وايضا اشعار مصاحبة للشاعر والفنان محمد بغدادى وترجمة إلى الالمانية قدمتها اورسولا . وقد ساهمت السفارة الالمانية فى اصدار هذا الكتيب .




ويشيد الفنان فتحي إدريس بلوحات الراحل حسن الشرق، والتي تمتاز بالنقاء وقوة التعبير كما إنها تنبع من القلب مباشرة لأنها لم يسبقها إعداد أو دراسه .. ويرى أن لوحاته تطوف بنا بين المرح والسخرية .. والشاعرية وخفة الظل والكآبة أحياناً .. وتحمل كل مواصفات الجمال الفنى من إيقاع وتوازن وخلافه .

كما أننا نجد فى أعماله تلقائية التعبير داخل الوجدان تفكرنا بالأعمال الفطرية للفنان  ( هنرى روسو ) أشهر الفنانين البدائيين ..  كما توقعت له منذ أن شاهدت رسوماته على ماكينة الغزل  ..حيث الخطوط الحادة والصارمة  مع إلتزام الفنان بالبيئة التى يعيش فيها ببساطة وغير تكلف  .. وهو يقدم أعماله بشكل مسطح  خالية من الاعماق وباسقاطات فورية لمشاعره وأفكاره الفطرية .

"معارض محليه وعالميه"



اشترك الفنان حسن الشرق  فى العديد من المعارض الجماعية فى المنيا، وقدم عددا من المعارض الخاصة بقصر ثقافة المنيا  وقاعات العرض المختلفة فى القاهرة مثل قاعة معهد جوته الألمانى وقاعة شموع وقاعة خان المغربى  .. أما خارج مصر فقد قدم العديد من المعارض من خلال تعاقده مع اورسولا الألمانية أو من خلال المعارض التى تنظمها إدارة العلاقات الثقافية الخارجية والمركز القومى للفنون ولعل أشهرها على الإطلاق لوحاته الثلاث بمتحف اللوفر بباريس وقال عنهم الشرق «أحلى ٣ لوحات في حياتي» .

ومن أشهر اعمال الفنان حسن الشرق  ترجمته للملحمة الشعبية  ( السيرة الهلالية ) إلى لوحات بفطريته الرائعة والتى عرضت بإحدى قاعات العرض بالاوبرا المصرية    

أقام الفنان حسن الشرق مرسما ومعرضا دائما لأعماله تحول الى متحف بجوار منزله بزاوية سلطان وتم وضعه على خريطة المزارات السياحية   .



"جوائز وتكريمات"

حصل الفنان حسن الشرق  على العديد من الجوائز وشهادات التقدير والتكريمات، وله مقتنيات لدى الافراد والهيئات المختلفة فى فلسطين وألمانيا  وفرنسا وإيطاليا وكندا وسويسرا ودار الاوبرا المصرية وقصر ثقافة المنيا ودار المخطوطات بكلية دار العلوم  والقناة السابعة المصرية وبعض المتاحف الأوربية. 

....يتبع...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا على دعمكم المستمر

اعلان

احصل على القالب من عالم المدون