«الدولة رفضت علاجها» تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة سناء جميل
تواصل «ويكي منيا» التقليب في دفاتر ذكريات الفنانة الكبيرة سناء جميل المولودة في القاهرة من عائلة تنتمي لمدينة ملوي جنوب محافظة المنيا في السابع والعشرين من ابريل عام 1930، فبعد أن كشفنا في الحلقة الأولى السبب الحقيقي لاختفاء عائلة سناء جميل من ملوي وكيف كان للعائلة الملكية دوراً في هذا، مروراً لإدخال الطفله ثريا ذات التاسعه لمدرسة داخلي، وصولاً لطردها من منزل خالتها وقت حريق القاهرة " شاهد الحلقه".
لجأت ثريا يوسف عطا الله لتفصيل الملابس استغلالا لموهبتها في الخياطة والتطريز ، وذلك لمقاطعة أهلها بعد علمهم بالتحاقها بمعهد التمثيل حتى تصرف على نفسها وتدبر مصروفات المعهد، ولعبت المصادفة دوراً في حياة الشابة بأن يكون الكاتب إحسان عبد القدوس إحدى زبائن مشغل التفصيل التي تعمل به والذي التحقت به عن طريق مدير المعهد ذكي طليمات والذي اختار لها إسمها الفني أيضا لتصبح سناء جميل"شاهد الحلقه".
ولأن الشقاء جزء أصيل في حياة الفنانة الراحلة، فلم تفضل في أي وقت الاستعانة في منزلها بخدم أو حشم على الرغم من بزوغ نجمها في سماء الفن المصري ، إلا أن معاناة سناء التي عاشتها طيلة حياتها جعلها تقدر معنى الإنسانية حتى أنها قالت في إحدى لقاءاتها التليفزيونية عند سؤالها "معندكيش خدامين؟" لتجيب بالنفي : " لا أنا اللي بكنس وانضف وامسح بنفسي لآن ده بيتي مملكتي ومحرابي أنا في بيتي أنا وجوزي فقط لا غير" شاهد الحلقه"
وبالحديث عن زوجها فقد كشف الكاتب الصحفي لويس جريس كواليس مقابلاته الأولى مع الفنانة سناء جميل، وكيف وصل الأمر بينهما للزواج، حيث أكد في تصريحات خاصة ل «ويكي منيا» " أنه لم يكن يعرف سناء جميل بعد ،وفي بداية عمله الصحفي كان خارجا لأحد البعثات ويراسل "روز اليوسف وصباح الخير" من إحدي الولايات الأمريكية فكان دائما يكتب رسائله بتوقيع (واشنطن من لويس جريس) وعندما عدت كان هناك صحفية سودانية معجبة بمدرسة فاطمة اليوسف وجاءت لتتعلم منها كيف تنشئ صحيفة ، وفي مرة من المرات دعيت في حفل من قبل "خديجة صفوت" بمنزل سناء جميل وقامت بدعوتي للحفل وقبلت الدعوة ، مستطردا في أثناء الحديث كانت دائما تناديني سناء ب"أستاذ يوسف" لأكثر من مره ،فقاطعتها وقلت "مدام سناء ..أنا إسمي لويس جريس" شاهد الحلقه.
بعد ذلك توطدت العلاقة بين لويس وسناء، ما شجعه على طلب الزواج منها والذي تم في حضور عدد قليل من الفنانين والصحفيين من مجلة روز اليوسف ، وكان من ضمن الفنانين كانت سناء يونس ومحمد الدفراوي لحبها الشديد لهما.
ظلت حياة سناء ولويس الزوجية قائمة على التفاهم والود حتى في أصعب اللحظات، حتى أثناء تعرض الزوجة الفنانة لمسألة الإنجاب كان النقاش والحوار بين الزوجين أساس إتخاذ القرار ، إلا أن ثمة أزمة تسببت فيها فنانه شهيرة قد حرمت سناء جميل من الإنجاب حتى وفاتها. "شاهد الحلقه".
لم تتوقف معاناة الفنانة الراحلة سناء جميل عند هذا الحد بل أنها فوجئت فور استيقاظها في صباح إحدى الايام من عام ١٩٧١ بعدم قدرتها علي سماع أي شيء، ومن هنا عاشت سناء معاناة جديدة لازمتها حتى وفاتها في عام ٢٠٠٢.
يحكي الكاتب الصحفي لويس جريس زوج الراحلة سناء جميل - في حوار اجريناه معه قبل رحيله - تفاصيل هذا اليوم قائلا: اذكر في صباح أحد الأيام في عام ١٩٧١، وكان بعد زواجنا بعشر سنوات استيقظت سناء من نومها منزعجة ونادتني بصوت عالي : اتكلم قولي أي حاجه يالويس أنا مش سامعه!!.
أضاف جريس لمدونة ويكي منيا ؛ قولتلها اتكلم اقول ايه قالت لي أي حاجه أنا مش سامعه، فقلت " أيها السادة أتحدث إليكم من مدينة القاهرة.. ألو ألو" لتقاطعني بقولها: "مش سامعه حاجه عليي صوتك"، ثم بكت بشدة.
وحول ما إذا كانت قد شكت الراحلة سناء جميل من أي أعراض أو آلام في أذنها قبل ذلك، أشار زوجها بأن سناء قد عانت سابقا من ضعف في طبلة الأذن « كان سمعها ضعيف» وكان ذلك بسبب حبها للفن، كاشفا من وراء فقدان سناء جميل لسمعها؟ وما علاقة عمر الشريف بذلك ؟" شاهد الحلقه".
ظلت المعاناة ملاصقة لسناء جميل حتى لحظات حياتها الأخيرة حين تأثرت بمرض الموت و الابتعاد عن الأضواء للحد الذي لم يكن لديها مالاً يكفيها لتلقي العلاج!!
"مش قادره اتنفس"
يحكي لويس جريس تفاصيل مرض الفنانة سناء جميل الذي تسبب في معاناة جديدة لها حتى كواليس لحظاتها الأخيرة قائلاً: شكت سناء بآلام مفاجئة في القلب، حيث كانت تعاني من زكام شديد مصحوب بكحة ورفضت الذهاب للطبيب بسبب ارتباطها بعمل فني ليلاً.
وتابع لويس: لما اشتد الإعياء عليها اصريت على أن نذهب سويا للطبيب، توجهنا لمستشفى ناصر الدولي بشارع جامعة الدول العربية، وبعد توقيع الكشف اللازم من الطبيب يحيى سعد صديقي أنا وسناء، وبرغم من صداقته إلا أنه عنفني قائلا: " إيه اللي انت عملته ده انت جايبها بعد ما خلصت"، مضيفاً: حسيت هنا إن الدنيا ضلمت في وشي!!.
"إلتهاب رئوي شديد"
يواصل لويس حديثه عن معاناة مرض سناء؛ اصطحبت الطبيب بعيداً وقلت له أن سناء لم تكن تريد الذهاب للطبيب، كانت تقول لي دول شوية برد، لتقاطعني الطبيب: برد إيه ده التهاب ريؤي شديد وحالتها خطيرة جداً.
اضطر د. سعد لاحتجاز سناء جميل لفترة داخل المستشفى، حيث تكونت مياه على الرئة، وأصبحت تشكو يومياً من عدم قدرتها على التنفس، وتم وضعها على جهاز التنفس الصناعي لمدة تواصلت لثلاثة أشهر.
" أزمة مادية "
يتذكر الكاتب الصحفي لويس جريس حديثه مع زوجته الفنانة سناء جميل أثناء محاولاتهما تدبير نفقات العلاج، حيث سألته زوجته ذات يوم قائله: " معاك فلوس يا لويس؟" قلت لها لأ إسألي كان ممكن يكون عندنا كام ؟!!، قالت لي ليه بتقول كده؟ قولت لها علشان الأدوار اللي انتي رفضتيها كانت ممكن يكون معانا فلوس كتير دلوقتي.
وبسؤاله عن سبب رفض سناء جميل الكثير من الأدوار الفنية، هل كان لسبب مرضي ام لأ؟ أكد جريس أن سناء كانت تعمل على تقديم أدوار فنية مهمه ومؤثرة، ورفضت الكثير من الأدوار لعدم إعجابها به.
وأشار لويس أن سناء نصحته أن يدخر بعض الأموال يمكن أن نحتاجها خاصة وأن سناء رحلت بدون ترك أي ثروة،لكنه قال لها في حينها الا تقلق من ذلك فقط عليكي أن تطلبي علاجك من وزارة الثقافة أو من وزير الصحة لانك فنانة كبيرة ولن يرفضوا علاجك على نفقة الدولة، إلا أنها ترجتني بضرورة توفير بعض الأموال التي تعينها في مثل هذه الامور.
"الدولة رفضت طلب علاجها"
يبدوا أن سناء كان لحدثها كل الحق في نصيحة زوجها بأن يدخر الأموال، فقد سارت الأمور عكس ما توقع زوجها تماما، إذ اصيبا الزوجان بخيبة أمل كبيرة حينما جاء الرد على طلب علاج الفنانة سناء جميل على نفقة الدولة بالرفض!! كيف حدث ذلك؟
وفقاً للكاتب الصحفي لويس جريس فقد جرت العادة على أن توافق وزارتي الصحة أو الثقافة على طلبات علاج الفنانين على نفقة الدولة خاصة إذا كان لهذا الفنان إسهامات وشهرة كبيرين، ولكن ما حدث في حالة سناء لم اجد له تفسيراً حتى وقتنا هذا - وقت إجراء الحوار قبل وفاته-.
وفجر لويس جريس مفاجأة كبرى وهي أن وزير الثقافة حينها كان صديقه الفنان فاروق حسني الذي كانت تربطه به وبسناء علاقة قوية ونتيجة لتلك العلاقة نصحتني الفنانة سميحه ايوب بإرسال فواتير تكلفة علاج سناء بالمستشفى إلي وزارة الثقافة لكي يتم سدادها بقرار علاج على نفقة الدولة من الوزارة.
تابع زوج الفنانة الراحلة: تواصلت بالفعل مع وزارة الثقافة وارسلت لهم فواتير وايصالات المستشفى، لأفاجأ بعد أيام برد الفواتير والايصالات على عنوان المنزل وعندما سألت عن السبب جاءني الرد من سكرتير مكتب الوزير : " خلاص بطلنا قصة العلاج على نفقة الدولة"، ولم تدفع لنا الوزارة ولا تعريفة!!"
"ياريتني كنت سمعت كلامك من زمان يا سناء"
يكمل جريس حديثه بأنه على الرغم من استمرار صداقتي بوزير الثقافة السابق فاروق حسني إلا أنني حتى لم أستفسر منه عن سبب رفض الوزارة لطلب علاج سناء جميل على نفقة الدولة، وذلك لأنني أعلم يقيناً أن الورق لم يعرض من الأساس على فاروق حسني وان وكيل الوزارة بمديرية الثقافة " هو اللي كلفت الموضوع" وذلك على حد تعبيره، مضيفا: قد أكون أخطأت من البداية بعدم عرض الطلب بنفسي على طاولة فاروق حسني.
وشدد لويس أن فور حدوث ذلك تذكرت نصيحه سناء طيلة سنوات الزواج بضرورة الادخار وقالت لي علشان خاطري حاول تشيل اي فلوس على جنب علشان لو دخلت المستشفى اتعالج بكرامتي وقلت ياريتني كنت سمعت كلامك من بدري يا سناء.
لحظات الوفاة
بدموع تنهمر من عينيه وصوت يشوبه غصه، ذكر جريس لحظات تلقي خبر وفاة زوجته سناء جميل، حيث ظل بجانبها ولم يدفن جثمانها لمدة ثلاثة أيام، وحول معرفة السبب قال إنه قام بنشر خبر وفاة الفنانه سناء جميل في كل الصحف المصريه بالإضافة إلى بعض الصحف الأجنبية مثل " البروجريه" و " الايجيبشن جازيت" و " النيويورك تايمز" والتي نشرت خبراً بعنوان وفاة الفنانة المصرية سناء جميل باللغة الإنجليزية، ثم قمت بنشر الخبر في صحف البلدان العربية وكان هدفي من ذلك العثور على أي فرد من أفراد عائلتها ليحضروا دفن الجثمان وانتظرت لثلاثة أيام دون دفن الجثمان ولكن لم يظهر احد ، حتى أنني قلت في نفسي ربما يطمحون في الحصول على ميراث فيظهر شقيقها أو أيا من أفراد عائلتها لكن هذا لم يحدث.
وحول الميراث أكد جريس أن سناء جميل لم تترك أي ميراث أو ثروة سوى فنها الباقى ببقاء الزمن، حتى أن ما ادخرته كان عبارة عن مبلغ ٦٥ ألف جنيها، كان سببا في إكرامها في مرض الموت حيث بلغ حساب مستشفى ناصر الدولي عند الوفاة مبلغ ٦٣ ألف جنيها ومصاريف الدفن والجنازة 2000 جنيه، لم تترك أي ثروة لكنني حولت شقتنا الي متحف لفنها.
وتوفيت الفنانة سناء جميل في التاسع عشر من ديسمبر عام 2002، ودفنت في الثاني والعشرين من ديسمبر من ذات العام عن عمر يناهز 72 عام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكرا على دعمكم المستمر