قتله " السل والقهر"ليحيا بعد موته..«نحميا سعد» فنان ملوي البائس
لن نكون مغالين إذا قلنا أن «نحميا سعد» هو أحد أعظم و أهم الفنانين التشكيليين في تاريخ مصر الحديث إن لم يكن أهمهم و أعظمهم على الإطلاق كما أنه أيضا -- و بلا منافسة هذه المرة -- أقلهم حظا و أكثرهم معاناة خلال حياته القصيرة البائسة التي لم تدم سوى 33 سنة هي تلك الواقعة بين ميلاده في مدينة ملوي عام 1912 و حتى رحيله عن عالمنا مريضا وحيدا على سرير بمصحة الأمراض الصدرية بحلوان عام 1945 من مضاعفات مرض السل الذي إحتل صدره بسبب الفقر و سوء التغذية و الحياة المفتقدة لأبسط إحتياجات البشر .
ولد الطفل نحميا سعد في الثامن من ابريل عام 1912 بملوي لأب تاجر بسيط ينتمي في الأصل لقرية دير البرشا شرق النيل حيث كان يشاهد بشغف عند زيارته لأقاربه بعض المقابر الفرعونية التي تعود للدولة القديمة و التي كانت ملآى بالرسوم المبهرة التي تشرح كيف كان ينقل المصريون القدماء تماثيلهم الضخمة و هو ما جعله مصمما على الإلتحاق بمدرسة الفنون الجميلة العليا فغادر إلى القاهرة عام 1928 و حقق حلمه وتخرج من قسم التصوير بالكلية عام 1932.
وبحسب المؤرخ موفق بيومي فإن نحميا واجه الكثير من التعنت وتعرض للظلم، ويشير بيومي أن نحات ملوي تعرض لظلم فادح من الفنان العبقري محمد ناجي الذي كان- على حد قول المؤرخ- يضطهده بشكل مخيف و يقف أمامه في أي خطوة تساعده على التقدم،حتى أنه منع عنه كل المنح التعليمية إلى فرنسا التي إستضافت عشرات اللوحات للرجل عندما صمم الجناح المصري بمعرض باريس الدولي عام 1937 و الذي إفتتحه الملك الشاب فاروق الأول بصحبة رئيس فرنسا على عرض لوحات نحميا .
![]() |
من أعمال نحميا سعد |
شارك ابن ملوي -والتي كانت منتمية إدارياً لمحافظه أسيوط بهذا الوقت- في عدة معارض محلية وعالمية منها ( معارض صالون القاهرة ومعرض اخناتون بجمعية محبي الفنون الجميله عام ١٩٧٢، ومعرض باريس الدولي عام ١٩٧٣، كما أنه نفذ ١١ لوحة بالمدخل الرئيسي بجناح مصر الدائم بمعرض باريس، والذي حصل خلالة على الميدالية الذهبية للفنون التشكيلية.
من ألقاب نحميا «هامليت الجرافيك المصري» والذي صدر عنه كتاب بذات الإسم للدكتور ياسر منجي، والذي تحدث فيه عن
نبوغ موهبة نحميا المبكرة للحد الذي وجهت له الدعوة للمشاركة في مهرجانات عالمية كمعرض باريس وهو في الخامسة والعشرين من عمره.
هذا النجاح والنبوغ وفقاً لما أشار إليه كتاب الدكتور منجي،قوبل في مصر بين الأوساط الفنية والإعلامية بنوع من الجفاء وعدم التقدير للحد الذي صدم نحميا ذاك الشاب الفقير رغم إنجازه التاريخي، كما أنه منع من شغل وظيفة أول مدرس مصري لفنون الحفر والطباعة بجامعة القاهرة بعدما تم رفض طلبه بالالتحاق بالوظيفة في الوقت الذي تولى فيه زميله المشارك أيضاً بمعرض باريس عمادة الكلية رغم عدم تحقيقه أي مركز أو تكريم.
ويكمل كتاب «هامليت الجرافيك» معاناة الفنان سيئ الحظ بإقصائه من بعثة إلى أوروبا، وتحويله من القاهره الى مراسم الاقصر ليصاب بالدرن أو السل ليقهره المرض متوفيا عام ١٩٤٥.
ظل نحميا وفنه في طي النسيان منذ وفاته بمنتصف الاربعينيات حتى أحيا أحد أصدقائه ذكراه بمعرض لوحاته وأعماله عام 1972،لتكرمه الدولة المصرية بعد وفاته بمجموعة معارض وصالونات ثقافية وفنية من ٢٠٠٤ حتى ٢٠٢١.
مات نحميا بلا أحد بجواره و لا وريث و لا حتى من يذكره الآن سوى حفنة من المهتمين بتاريخ الفن المصري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكرا على دعمكم المستمر