«اكتوبر ..الفن والمعركة» حلقة ٨: د. حسن علي يكشف كواليس لقائه بصانع خطة «الخداع الإعلامي» بحرب ٧٣
ربما شكك المصريون كثيراً في دقة ومصداقية الإعلام المصري عقب نكسة يونيو نتيجه بث مجموعة من الأخبار المغلوطة للتغطية عما حدث حينها، وخلف هذا التعتيم والتضليل عبء ثقيل وكبير على كاهل صناع القرار في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء،مما أوجب ضرورة ضخ دماء جديدة ووضع خطة إعلامية مزدوجة تجمع بين إعادة كسب ثقة الشعب وتهدئته وتهئيته الحرب وما بين إيهام العدو أننا غارقون في المشاكل ولن نحارب مطلقاً، لذا كان يؤمن «محمد عبد القادر حاتم» المشرف العام على المجالس القومية المتخصصة، وصانع خطة الخداع الإعلامي - ضمن خطة الخداع الاستراتيجي- لإسرائيل، أن دور الإعلام لا يقل خطراً عن بقية الأسلحة على جبهة الحرب.
هذا ما كشفه د. حسن علي محمد عميد كلية الإعلام بالسويس ورئيس قسم الإعلام بكلية الآداب جامعة المنيا سابقاً، خلال لقائه الإذاعي بنائب رئيس الوزراء في عهد الرئيس الراحل أنور السادات والمشرف العام علي المجالس القومية المتخصصة «عبد القادر حاتم» للحديث حول أسرار حرب اكتوبر ضمن فاعليات احتفالية النصر عام ١٩٨٧.
يقول د. حسن على عن كواليس هذا اللقاء: تلك صفحات من أوراقي القديمة وبعض مسودات حلقة من سهرة «سمار الليالي» المذاعة علي أثير البرنامج العام في احتفالات أكتوبر عام 1987..أردت بها أن أفتح إحدي خزائن أسرار حرب أكتوبر كانت مفاتحها بيد أحد ضباط ثورة يوليو، عمل مديرا لمكتب عبد الناصر حينا ووزيرا ونائبا لرئيس الوزراء مع الرئيس السادات في حرب اكتوبر،إنه الدكتور محمد عبد القادرحاتم المشرف العام علي المجالس القومية المتخصصة ..!
يضيف د. حسن قائلاً: "تواصلت معه لاستضافته في سهرة سمار الليالي .. جلست قبالة الدكتور حاتم .. أرتب أوراقا بين يدي في عجالة ... انتبهت الي صوت الدكتور حاتم يقول:«ها .. يا سيدي ... تحب نتكلم عن انتصارات أكتوبر من أية ناحية ؟».. كانت البداية من هيكلة الوضع منذ حرب الاستنزاف وعنها يشير حاتم لاستدعاء الرئيس السادات له لتكليفه بمسؤولية الإعلام".
وينقل استاذ الإعلام أبرز تصريحات عبد القادر عن خطة الخداع الاستراتيجي-خلال لقائه الإذاعي- عبر تلك النقاط:
- استدعاني السادات لمقابلته عارضا قيامي بمسئولية الاعلام وما اذا كنت استطيع النهوض بها لتهيئة الشعب للمعركة ..ومنحني وقتا للرد ومدي قدرتي علي تحمل هذه المسئولية .. كانت المسئولية كبيرة والظروف صعبة والغضب العارم في كل بيت مصري ومطلوب منك التهدئة وبث روح الحماس في وقت واحد .. !!
- ولهذا كان الدور الاعلامي لا يقل خطرا عن بقية الادوار والاسلحة والوزارات التي عملت بتناغم شديد وتنسيق دقيق .. قبل الحرب وأثناء الحرب وبعدها ..
- بدأ دور الاعلام مبكرا في التمهيد للمعركة بتغطيات مكثفة ومتتابعة وسريعة لحرب الاستنزاف وبث روح التحدي .. وكان للاعلام دور فاصل في خطة الخداع الاستراتيجي بالتنسيق مع جميع وزارات الحكومة المصرية .
- كان الهدف الاول في الاستراتيجية الاعلامية مؤداه ..( ...لازم العدو يستشعر حالة بؤس الاداء عبر أخبار سلبية مصاغة باحكام وليوقن أننا جثة هامدة ..، ويطمئن الي أننا لن نقاتل .. )، دي النقط الجوهرية اللي الاعلام لعب فيها كويس في اطار خطة الخداع الاستراتيجي .
- كان للاعلام دور خطير في متابعة سير المعارك والاشتباك مع وسائل الاعلام الدولية من خلال السفارات وقطاع الاعلام الخارجي بهيئة الاستعلامات .. ومتابعة أصدقاء مصر في الاعلام الغربي .
- قمنا بتشكيل فريق الازمة أو فريق الطوارئ من كبار المذيعين الذين يرابطون بماسبيرو منذ البيان الاول .. لا يغادرون مكاتبهم أياماً!
- كانت هناك ترتيبات مع الدكتور محمد حسن الزيات ومقابلاته مع كيسنجر وتمسكنا بالحديث عن القرار 242 ورغبتنا القوية في السلام.
- سربنا أخبارا دقيقة بعد مراجعتها من جهات مختلفة وكلفنا الاستعلامات وأجهزة أخري بمتابعة ردود الافعال والتحليلات .
- كنا نستمتع بسخرية الاعلام الاسرائيلي منا، وكلما ازدادت سخريتهم كلما أيقنا بنجاح خطتنا .. نريد أن يصل اليهم بؤس الاداء "ومعاه شوية توابل" .
- خبر فساد القمح كان خدعة بالتنسيق مع وزارة التموين، الحقيقة كان لدينا مخزونا يكفي لستة أشهر، لكننا نشرنا الخبر وقمنا بفتح تحقيقات،ووجهنا رسام كاركاتير بعينه ( للتريقة ) علي وزير التموين لمدة أسابيع، كي نضمن سخرية الاعلام الغربي والصهيوني منا، واخفاء شراء مصر مخزون قمح يكفينا لمدة 6 شهور أخرى ، كما قمنا بالترتيب ولزيارة الأميرة مارجريت أميرة بريطانيا يوم 10 أكتوبر، وشددنا على نشر الخبر وترديده في التعليق علي الانباء، كذلك الاتفاق مع وزير الدفاع حول الصيغة التي ننشر بها خبر زيارة اللواء مبارك قائد الطيران الي ليبيا ووزير دفاع رومانيا يوم 8 أكتوبر ... !! .
واستطرد نائب رئيس الوزراء في شرح كيفيه التنسيق مع كافة الوزارات لضمان نجاح الخطة حتى في ترتيب نشر الأخبار مضيفاً "تخيل كنا بنرتب ازاي ننشر خبر مهم بالتنسيق مع وزارة الدفاع عن تسريح 30 ألف مجند من الخدمة العسكرية ونبرزه ونعيده مرات" وتساءل متهكما هل هذه الاخبار تدل علي بلد سيحارب بعد أيام ؟؟ الخبر ده ظل الاعلام الاسرائيلي يتابعه ويسخر من جهوزية الجيش للقتال لاضعاف الروح المعنوية .. كنا نثق في قيادتنا وأننا علي الحق ..، كنا ننشر الاخبار السلبية يقصد وبتخطيط وأناة وحذر ونتابع صداها ونكمل خطتنا ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكرا على دعمكم المستمر