حكايات هدى شعراوي 5: هل خان سلطان باشا عرابي ورجاله؟ شهادات للتاريخ#1
تواصل «ويكي منيا» تقديم سلسلة حلقات «حكايات هدى شعراوي» احتفاء واحتفالا بذكرى مرور 144عام على ميلاد رائدة الحركة النسوية في مصر، التى ولدت في 23يونيه عام 1879بمدينة المنيا.
وبعد أن تعرفنا في الحلقات الأولى من السلسلة على حكاية سلطان باشا مع تاجر تقاوي القصب وبلاص العسل التي دونتها حفيدته «نور الهدى محمد سلطان» وما فيها من أسرار كشفت لأول مرة عن حياة المناضلة الخاصة، ومدى حب سلطان باشا وسعيه في الخير وخدمة الناس بشتى الطرق "شاهد الحلقه"، وهو ذات الخير الذي رد إلي ولده محمد سلطان بعد وفاة أبيه والذي كان أشبه بعثوره على مغارة "علي بابا" التي مكنته من إتمام صفقة شراء تفتيش دماريس -وفقا لرواية هدى شعراوي بمذكراتها الشخصية- "شاهد الحلقه".
وكشفت المناضلة هدى شعراوي في مذكراتها أن والدها محمد سلطان باشا لم يكن يفضل من شخصه الالتحاق بالمناصب بل إنه قد كان يعتذر عنها كلما كان يترشح لها، وذلك في بداية حياته ، لكن كان يقابل رفض أبيها بمزيد من الإصرار على تعيينه، كما كان صاحب الفضل -كما ترى- في إنهاء عمل المصريين بالسخرة والكرباج "شاهد الحلقه".
بلغت نور الهدى التاسعة من عمرها وكان ذلك العام مميزا جدا في حياة الصغيرة وعائلتها، كونها تمكنت من ختم القرآن الكريم، ورأت العائلة أن تقيم حفلاً بهذه المناسبة.
وصفت هدى شعراوي ذاك اليوم بأنه «أول يوم مفرح بعد وفاة والدي» شاهد الحلقه .
الشيخ القاياتي |
وبعد أن تعرفنا في الحلقات السابقه عن جوانب خفية في حياة المناضلة المصرية الشخصية داخل منزل العائلة في المنيا، كشفت هدى شعراوي عن جانب خطير في حياة أبيها سلطان باشا الذي لاحقته اتهامات عدة بخيانة الثورة العرابية ومعاونة الإنجليز في اجهاضها والقبض على عرابي ورجاله، وكنا في «ويكي منيا» قد نشرنا في حلقة سابقة كواليس ما حدث للشيخين أحمد ومحمد عبد الجواد القاياتي، واللذين كلفا بتجميع ثوار المنيا والصعيد من المجاهدين للمشاركة في دعم العرابيين بالتل الكبير بالإسكندرية، بعدما تلقيا رسالة "سرية" من الزعيم أحمد عرابي، والتي تسببت في اقتياد الشيخان للسجن بعد فترة أثناء سقوط الثورة العرابية، وكان هذا السجن داخل قصر سلطان باشا بالمنيا ، وهو ما اعتبر خيانة أحد أبرز رموز المنيا وأقطاب عائلاتها للثوار وهو سلطان باشا الذي كان سبباً رئيسياً في دخول الإحتلال الإنجليزي لمصر، وكانت له مكافأة كبيرة ونهاية مأساوية أيضاً "شاهد الحلقه".
ربما حالفنا الحظ أثناء اطلاعنا على أسرار حياة المناضلة المصرية هدى شعراوي ابنة محمد سلطان باشا في معرفة كواليس هذه الأحداث والوقائع التي كشفتها ابنة الباشا والتي لم تكن تفضل أن تضع نفسها في موضع «الدفاع عن أبيها» لولا كثرة الأقاويل وملاحقات شبهات الخيانة لمحمد سلطان باشا، فلم تكن تريد هدى شعراوي تفسير أو الرد على هذه الإتهامات إلا بشهادات واقعية نقلتها ممن عاصروا حقبة الثورة العرابية وكان أولهم أبناء قائد الثورة العرابية نفسه « عبد السميع أحمد عرابي وعبد العزيز أحمد عرابي» وآخرين، وهي شهادات آثرت «ويكي منيا» نقلها حرفيا كما دونت على لسان صاحبتها للأمانة ومنح كل ذي حق حقه وترك الحكم للتاريخ ولله وحده، لكننا سننقل تلك الشهادات عبر حلقات متتالية من سلسلة حكايات هدى شعراوي و المأخوذة من مذكراتها الشخصية.. والآن إلي الشهادة الأولى.
تقول هدى محمد سلطان في مذكراتها: وخلال الفترة التي كان فيها أبي في قلب الحياة العامة، وقعت الحوادث العرابية، وقد تكون هذه فرصة لكي أذكر بعض ما أعرفه عن بعض مدعي الوطنية الذين اتهموا والدي بأنه ساعد على دخول الإنجليز نزولا على إرادة الخديوي توفيق.
تتابع: وليس أدل على أن ما ذكر كان مجافيًا للحقيقة، من أن الصحف كانت قد نشرت مذكرات منسوبة إلى عرابي باشا بعد وفاته، وكان ما نشر يصادف هوى لدى أولي الأمر في ذلك الوقت، فلما تركوا زمام الحكم، جاء إليَّ عبد السميع أفندي عرابي يطلب مني المساهمة في طبع مذكرات أبيه، فلما أبديت له دهشتي من أن يطلب طبع هذه المذكرات على نفقتي وفيها طعن في وطنية والدي كذبًا وبهتانا ، أبدى استعداده لحذف هذا الجزء من المذكرات، وكانت دهشتي هذه المرة أشد من سابقتها، وقد رفضت ذلك مقتنعة بأنه كما أراد حذف هذا الجزء بشرط المساعدة، فإنه لا بد قد وضعه بشرط مثله خدمة لغرض آخر، وأسفت أن هذا حدث شفوياً، وإلا لكنت قد أدليت بالبرهان على كذب ما جاء في هذه المذكرات العرابي باشا، ومع ذلك فسوف يأتي الحديث فيما بعد عن خطابين أرسلهما إلى عبد العزيز وعبد السميع عرابي ابنا عرابي باشا.
تضيف شعراوي: وكان عبد السميع قد كتب مقالات في جريدة المحروسة، ذكر فيها أن سلطان باشا كان من رؤساء الحركة الوطنية، وكان يظن أنه يستطيع بمواهب عرابي وقوة الجيش الحصول على رئاسة البرلمان، فأيد عرابي في جميع الأحوال إلى أن فازت الأمة بالمجلس النيابي، ولكنه لما رأى الأمة تتحدث باسم عرابي بكل إعجاب وثناء تسرب الحسد إلى نفسه، ولما تشكلت وزارة محمود باشا سامي كان يطمع أن يكون فيها وزيرا فلم يتحقق أمله، وعلى ذلك أخذ يضلل أعضاء مجلس النواب وغيرهم وينفرهم من عرابي ويغريهم بالتخلي عنه ولكنه لم يفز؛ لأن الأمة بكل طبقاتها كانت في جانب عرابي إلى النهاية.
وتشير المناضلة الي دور قليني باشا فهمي والذي قد تصدى له قليني باشا فهمي؛ حيث نشر مقالا في جريدة المقطم يوم الأربعاء نوفمبر ۱۹۲۳ قال فيه: (إن منشأ الحركة العرابية كان سببًا عن الظلم والجور اللذين لحقا بضباط الجيش المصريين؛ حيث كان لا يسمح لأي ضابط مصري مهما كانت مواهبه أن يتعدى رتبة أميرالاي، فأوجب هذا تذمر الضباط المصريين ما ترتب عليه قيامهم بحركة ضد هذا الاحتلال التركي الجركسي، وكان هذا هو الأساس الذي قامت من أجله الحركة العرابية.
ولما كان البرنامج يشمل أيضًا طهارة المصالح الملكية من الموظفين الأتراك والجراكسة، فقد انضم إليهم كثير من أعيان البلاد وكبرائها ، وأخذ يناصرهم المرحوم سلطان باشا بما كان له من النفوذ الكبير والسلطة العالية.
إن سلطان باشا كان يشغل مركز حاكم الصعيد العام ، وكان ذا جاه عريض وسلطة واسعة، فمن هذا يعلم أنه لم يكن في احتياج إلى جاه غيره ليتوصل إلى مركز عال، ولما بدأت الحركة العرابية ورأى من مبادئها خدمة البلاد، انضم إليها بكل نفوذه وعضدها بكل قواه، لا حبًّا بوظيفة؛ لأنه كان يشغل أعظم المراكز، بل حبًّا في خدمة البلاد.
وعندما ألف البرلمان، انتخبته الأمة رئيسًا له، ولا يعقل أن الذي يتقلد وظيفة رئيس البرلمان يطمع في أن يكون وزيرًا؛ لأن وظيفة رئيس البرلمان فوق وظيفة رئيس الوزراء).
ونقلت هدى هانم شهادة قليني باشا في ذات المقال، حيث قال:(أذكر أنني كنت مع المرحوم سلطان باشا في سراية ذات يوم، وإذا بعرابي قد حضر ومعه ضباط من الجيش وطلبوا منه عقد البرلمان في الحال، فسألهم عن الموضوع الذي يريدون أن يتكلموا فيه، فقالوا : عزل الخديوي، فقال لهم: وهل رشحتم من يخلفه حتى يكون قرار البرلمان بالعزل شاملًا لتعيين الخلف، وكان عرابي ينتظر من الجميع أن يقولوا إن الخلف عرابي، ولكن لم ينطق أحدا منهم، وبعد أن تداولوا فيما بينهم قرروا تأجيل البت في ذلك إلى الغد، وعقدوا اجتماعًا في منزل عرابي للمداولة، فاشتد الهرج بينهم، فقال محمود سامي البارودي إنني أولى بالملك لأني من سلالة ملوك، وقال عرابي: ولكني أنا رئيس الحركة الوطنية وموحدها، وقال آخرون غير ذلك إلى أن قال "طلبه عصمت باشا" لكل منا أعمال عظيمة في هذه الحركة، فيجب أن نعامل كلنا بالسواء بلا تمييز واحد على الآخر، فيحسن أن نجعل كل مديرية خديوية قائمة بنفسها، وكل منا يكون خديرًا لها. وحينئذ يئس عرابي، واستحسن مع البعض أن تبقى الحالة كما هي عليه، وبعد ذلك توجه عرابي إلى سراي سلطان باشا، وشكره على نظره البعيد.
تقول نور الهدى محمد سلطان في مذكراتها عن هذا الموقف: نظر سلطان باشا إلى كل هذه الأحوال، وقال للعرابيين: إنه يحسن بالجيش المصري أن يقف عند هذا الحد؛ لأن الأجانب قلقون جدًّا من العسكرية الدائمة، فلم يرق هذا القول للعرابيين وعدوه خيانة من سلطان باشا، ولم يعبئوا بنصيحته، بل ظلوا على تهديد العرش مما استوجب مخاوف الخديوي، فاستغاث بأوروبا لتساعده على خلاص عرشه من التهديد، وعند دخول الإنجليز إلى مصر، أراد سلطان باشا أن يتحقق إلى أي حد المقاصد الإنجليزية، فأكد الجنرال "دلسلي" قائد الحملة أن مهمتهم هي إخماد الفتنة العرابية وحفظ العرش من التهديد وبانتهاء ذلك تكون مهمتهم قد انتهت وينصرفون إلى بلادهم وقد أكدوا هذا لسلطان باشا الذي كان مشغوفًا وطنه وخائفًا من سيطرة الإنجليز عليه؛ لأنه ليس من المعقول أن سلطان باشا يحارب الاحتلال التركي، الذي كان في نظره كابوسًا على البلاد، ويسعى للاستعاضة عنه بالاحتلال الإنجليزي.
وتكشف شعراوي أن عرابي باشا أراد الاستيلاء على ممتلكات ابيها حيث كتبت نصا قولها:"أود أن أذكر هنا أن عرابي باشا كان قد أمر بأن تؤخذ ممتلكات أبي من غلال وخيل وغيرهما، وترسل إلى مخازن الإنجليز، وأن يختم البيت بالشمع الأحمر حتى ينظر في أمره".
...يتبع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكرا على دعمكم المستمر